“الحرية المطلقة”…؟

بقلم: يونس فنيش
متابعة تلك “المعفونة” في حالة اعتقال عمل صائب وجد موفق، تلك التي عمدت إلى نشر فيديو لها وهي تقضي حاجتها ثم تحلل “المحصول” بمغرفة على قناتها في اليوتوب، وفيديوهات أخرى مقززة وذلك من أجل جلب “المشاهدين” وكسب ربح عفن، إذ لابد من محاولة وضع حد لتدني الأخلاق التي على أساسها يقوم مجتمعنا منذ 12 قرنا.
القضاء سيقرر في شأنها ولكن الرأي، حسب الظاهر، أن لا يحق لها التماس ظروف التخفيف لأن رغم ما قد تدر عليها أعمالها الخبيثة العفنة من عائدات مالية عبر اليوتوب، لم تكتف بل استمرت إلى أقصى حدود الإخلال بالحياء العام واستهداف الأخلاق وإفساد تربية الناشئة بطريقة لا يصفها الواصفون.
وبطبيعة الحال القضاء أيضا من له أن يقرر إن كان من الضروري عرضها على خبرة نفسية، وإن ثبتت حماقتها تم وضعها في مستشفى للأمراض العقلية لمدة كافية حماية للمجتمع منها إلى أن تتعافى من عفنها في حالة ما إن كان عفنا مرضيا، ولو أن الدافع لقيامها بنشر ما لا يصفه الواصفون، حسب ما يتضح ظاهريا، هو الطمع في ربح عفن فقط، لأنها تبدو في كامل قواها العقلية.
هذا يحيلنا إلى قضية الحرية المطلقة في “العالم الإفتراضي”. فهل يجب الإستمرار في اعتبار “العالم الإفتراضي” افتراضيا أم علينا تغيير العبارة أو الوصف أو المصطلح…؟ ما يحدث من استغلال منصات التواصل الإجتماعي من طرف التافهين والجشعين الذين ليست لهم أية حدود أخلاقية، والذين يحظون بأعداد هائلة من المشاهدين جعل البعض منا يعممون ويظنون أن “الأغلبية الساحقة أضحت تافهة وأن معظم العقول أصبحت فارغة، وأن النفوس باتت تتحكم فيها غريزة الضباع، وبالتالي لا أمل في محاولة مقاومة الهوان العام والانحلال شبه التام”؛ ولكن الحقيقة الساطعة غير ذلك تماما. ففي مجتمعنا مازالت الأخلاق الفاضلة التي تعتمد الستر واحترام الفضاء العام هي المتحكمة في كل ضمائر المغاربة.
وأما البحث عن سبب ارتفاع عدد مشاهدي التفاهة والإنحطاط بكل تلاوينه، فقد يقودنا إلى الطبيعة الفضولية التي تميز بعض الشعوب. فمعظم من يشاهد ما ينشر من ميوعة و عفن من قبل بعض مواطنيه و مواطناته لا يتخلى عن هويته و لا عن أخلاقه و لا عن تربيته، بل يشاهد و يتابع لأنه فضولي بطبعه فقط، و إن سنحت له الفرصة لعبر عن رفضه لما يحدث. إذا فلا داعي أن يفرح بعضهم من الفاسدين بانتصار وهمي على أخلاق المغرب و المغاربة تمهيدا لأشياء و أشياء تتعلق ربما بأمور أخرى والله أعلم.
الملاحظ أن مجتمعات أخرى، شمالية مثلا، لا تخلو من تفاهة وعفونة في منصاتها الإجتماعية و هي تفاهة و ميوعة لها روادها هناك و متابعيها بأعداد هائلة أيضا، ولكن تظل تلك البلدان متناغمة مع طبيعة مجتمعاتها التي لها هوية غير هويتنا وثقافة غير ثقافتنا وتعتمد تربية غير تربيتنا، ومع ذلك قليلا ما يصل التدني الأخلاقي هناك إلى الحد الذي نشرته مؤخرا تلك “المعفونة” المتابعة في حالة اعتقال، بفضل تحرك القضاء في محاولة لوضع حد للفوضى السائدة عندنا في “العالم الإفتراضي” ضدا على القانون والشرع والهوية والأخلاق.
ولكن لابد من الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الجرائد الإلكترونية في تخليق الحياة العامة “الإفتراضية”، وذلك بتجنب البحث عن “البوز” عبر نشر أخبار التافهين والتافهات ونشر أخبار فضائح لا تنفع في شيء إلا من تشجيع الباحثين عن الشهرة على حساب الأخلاق والضمير الإنساني من أجل تحقيق أرباح “الأدسنس” بطريقة غير سوية.
ومن جهة أخرى لابد من التفكير في وضع حد فاصل بين “مهنة الصحفي” و”مهنة اليوتوبر”، فلقد اختلطت الأمور إلى درجة أن الصحافة على وشك أن تفقد بريقها ودورها في المجتمع. نحتاج إلى سن قوانين جديدة للفصل في هذا الأمر: ليس الصحفي “يوتوبرا” وليس “اليوتوبر” صحفيا، علما أن قانون الصحافة يسري على الصحفيين فقط. لابد من قانون ينظم “مهنة اليوتوبر” نظرا للأمر الواقع، لأن الملاحظ أن بعض الصحفيين أضحوا مجرد “يوتوبر” يبحثون عن “الأدسنس” ولو على حساب الضمير المهني، ويتجلى ذلك بدءا من العناوين الفوضوية التي أضحى بعضهم يستعملونها لجذب المشاهدين، في حين أن ما هكذا تكون الصحافة التنويرية الهادفة وما هكذا يكون الضمير المهني. والله أعلم.

اترك رد