هربوا من حيتان البر، ليتلقفهم حوت البحر

بقلم: أحمد عنج

رحيل، أو الهجرة إلى حيث لا وطن، لا اهل ولا سكن، لكن هناك حضن وحنان، لا وطن قاس وقاص، صعب الحياة فيه لا تهدي شيئا بالمجان، الكل يؤخذ فيه بالاسباب، لكن على قدر ما تتعب تكسب.
تلك هي ديمقراطيتهم، التي اسالت لعاب شباب بني موسى ومعهم المغاربة قاطبة لركوب الموج فابتلعهم البحر، وضاعوا في غياهبه.
الهجرة قسرا لا طوعا واختيارا، او اختيار مر، اسبابه الفشل في احتضان الشباب ،والاستفادة من سواعدهم لبناء الوطن .فلا شيء يغري بالتمسك في البقاء به،اجور زهيدة جدا لا تسد أدنى حاجات الفرد،يتعب الشاب في عمل سنة وأكثر ولا يحقق حتى كفافه وعفافه ،ولربما لا يوفر ثمن كساء لجسده الذي اُنْهِكت قواه، عكس لا وطن تعب سنة يحقق قليلا من الرفاه.
لا يمكن ان نحد من مغامرات الهجرة ومواجهة مخاطرها دون تبني سياسة مندمجة شاملة تراعي احلام الشباب المغربي التي تفوق بكثير ما يقوم به القائمون على شأن الدولة، وهذا حقهم المشروع، فلا مجال لمقارنة انجازات الحكومة بتطلعات الفرد المغربي الطموح.
فسوق الشغل تسوده العشوائية والمزاجية تخضع لقانون العبد والسيد بنظام اقطاعي القرن الثامن عشر ، يعيش الفرد فيه هوسا دائما على حياته وحياة أبنائه، لا لهزالة الاجر فحسب، بل لغياب حماية اجتماعية الوسيلة الرئيسية لتثمين الرأسمال البشري وصيانة الحقوق الاجتماعية لسواعد الشغيلة وضمان الاستقرار الاجتماعي.
دون نسيان فوضوية القطاع غير المهيكل، وغياب تغطية صحية معقولة.
محاربة الهجرة السرية وصيانة الارواح وتحصين هدر الطاقات البشرية الوطنية لا تحارب بحراسة الحدود، وتعزيز الامن وانما بالقضاء على مسبباتها.
فكل المخططات التي لا تضع الانسان جوهر هدفها وغايتها تبقى فاشلة ومجرد مضيعة للزمن وهدر المال وتأخير التنمية الشمولية الى اجل غير مسمى.
نترجم على أرواح شبابنا جميعا الذين ابتلعهم البحر ولم يكن حلمهم سوى طرد مرارة لقمة عيشهم، والبحث عن تحسين مستوى عيشهم في لا وطن، والوطن بريء من ذنبهم، لو كان الوطن فردا لفكر في الهجرة قبلهم، انهكه الفشل وصار كفأر مختبر تجارب فيه وصفات التنمية الفاشلة واحدة تلوى الاخرى، جرعات سامة خربته وخربت كل مافيه، فقد مناعته وعاث فيه الفاسد ينتهز كل الفرص وأنصاف الفرص للاغتناء ولا يهمه الوطن. الفاسد يجعل من كل مبادرة إصلاحية غنيمة. فما صراع المناصب إلا بغرض تحقيق المكاسب، وتسلق المراتب، اما الوطن فلا من حليف له ولا صاحب.

اترك رد