وزارة التربية والتعليم تسكنها “روح مُحافِظة”

بقلم: الحسين زاهدي

في بداية كل موسم دراسي تتجدد أسئلة اصلاح المدرسة العمومية المغربية بكل مرارة وحسرة. فعجلَة الإصلاح دائمة الدَّوَران، ولكنها للأسف الشديد لا تراوح مكانها. فهي كعجلة سيارة متورطة في الرمل، كلما دارت غاصت في الرمل. ولقد قال أحدهم ذات يوم إن وزارة الداخلية تسكنها روح. وأقول اليوم إن وزارة التربية والتعليم (بصرف النظر عن تغير الأسماء والعناوين) تسكنها روح شديدة المحافظة، وعنيدة المقاومة لكل اصلاح او تجديد. فلم تتمكن كل المحاولات لحد يوم، الناس هذا من النفاد الى جوهر موضوعها. ولقد بقيت الإصلاحات على الدوام خارج الحصون وفوق القشور. تتغير الطلاءات والصباغات ويبقى الوجه الحقيقي قابعا بكل عناد خلفها. يُطلُّ علينا وجهها الفعلي داخل الفصول الدراسية وفي فضاءات المجتمع المدرسي، وعند بوَّابات مُخرَجات المنظومة، وفي يوميات المواطن القابع في أسفل السلَّم المجتمعي، وبصورة أشد مرارة وبشاعة في وسطه الذي يُسمُّونه الطبقة الوسطى.
لا أدري من أين تستمد تلك الروح المحافظة العنيدة شجاعتَها وقوَّتها، حتى لا أقول دعْمها، ووقاحتها. فلا الخطب الملكية الواضحة والصريحة، ولا (سلطة) رؤساء الحكومات المتعاقبة، ولا المؤسسة التشريعية، ولا صراخ (الغلابى)، ولا أنين المقهورين، ولا طوابير الفاشلين مدرسيا، ولا نتائج التقويمات الدولية، ولا أي شيء ممن طَرَق أبوابَها، أو حاصر حصونها، استطاع قهرَها أو هزمَها.
لم أكن أتصور يوما ما أن قانون إطار 17/51 سيدخل ثلاجة الموتى والهَلْكى في معركة الإصلاح هذه. إنه قانون قيل لنا، بل وتقرر في الخطب الملكية، وفي ديباجته أنه نهايةٌ دوامة الإصلاح، وإصلاح الإصلاح. وأنه إطار تعاقدي وطني استراتيجي مُلزِم لجميع الأطراف. وقد أُنشئَت لحكامته اللجنة الوطنية لتتيع ومواكبة اصلاح المنظومة برئاسة رئيس الحكومة نفسه. لكن قطاره بكل مرارة يتعثر من جديد. فلم نعد نسمع بتلك اللجنة. ولم تنعقد اجتماعاتها طيلة الموسم الدراسي والجامعي الماضي. وسمعنا في المقابل بانطلاق مشاورات جديدة. وكأن مشاورات اعداد الرؤية الاستراتيجية، والنموذج التنموي الجديد لم تأت بنتيجة، ولم تحقق المراد. إنها (موضة) جديدة. (موضة) المشاورات والمشاورات للمشاورات. والمشاورات بعد المشاورات. إنها موجة التشاور والمشاورة. فالمشاورات سلعةُ جديدة غاليةُ الثمن في زمن هدر زمن الإصلاح.
وأثناء تعثر قطار الإصلاح، لم نعد نسمع كذلك نهائيا بالإطار التعاقدي الاستراتيجي الشامل بين الدولة والقطاع الخاص الذي يحدد مساهمة القطاع الخاص في تطوير منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والرفع من مردوديتها، وتمويلها، وتحسين جودتها، وتنويع العرض التربوي والتعليمي والتكويني، مع مراعاة مبادئ التوازن المجالي على الصعيد الترابي، وأولوية المناطق ذات الخصاص في البنيات المدرسية، كما يحدد الإجراءات والتدابير التحفيزية التي يمكن أن يستفيد منها القطاع المذكور، في إطار تنفيذ الالتزامات التعاقدية المبرمة بينه وبين الدولة. كما لم نعد نسمع كذلك بما ورد في المادة 14 الذي يفرض على الدولة من بين ما يفرض” تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاصة وفق معايير تحدد بمرسوم.” فوجد (الغلابى) أنفسهم مجرَّدين من أي سلاح وسط معركة البقاء فيها للْقوِي. وفي المقابل لم ينقطع سماعنا لصراخ وعويل الأسر التي تكتوي بنيران سوق شبت في “جناح الخدمة التي يقدمها المرفق العمومي”.
صدِّقوني، لقد واكبتُ اصلاح المنظومة من موقع رفيع، ولمسْتُ بالفعل قوةَ تلك الروح الشريرة، التي كان المرء دائما يشعر بصدماتها وبلَسَعاتها، وبتيارها الجاذب نحو الخلف، ولكنه يجد صعوبة شديدة في رؤيتها ولَمْسِها. فهي شبيهة بالتيار الكهربائي الذي قد يُودي بحياتك، لكنك لا تستطيع رؤيته بعينك المجردة على الأقل.
وأستسمحكم جميعا في أن أسألكم: لماذا توقف الحديث عن قانون إطار 17/51، بعدما، مَلأَ دُنيانا، وهيْمَن على منتدياتنا، وهزَّ أركان أغلبيةٍ حاكمةٍ يومها، وكاد أن يشُقَّ، أو شقَّ بنيان الحزب (الأغلبي) حينها، وبلغ صداه عقر دار (ماما فرنسا) وقتها؟؟؟؟
ولمصلحة من تم اختصار ذلك القانون في صراع العربية والفرنسية، والخصوصية والكونية، اختصارأ مُخِلاًّ؟ ولفائدة من تم جرُّ أو استدراج بعض المندفعين المتحمسين للصراخ والعويل بدعوى حماية العربية والهوية المغربية الاصيلة من التفكك والتحلُّل، لإبعاد النظر عن المزايا الثمينة لهذا القانون؟؟؟
ولماذا اليوم أمْسَكت تلك الأصواتُ عن الكلام المباح، في حين ان اللغة الفرنسية تراكم المكتسبات، وتوسع مناطق النفوذ. و(الغلابى) يُغرَقون، ثم يَغرَقون في الديون والهموم؟؟؟

اترك رد