ويحمان الخائن المتآمر على الوطن

بقلم: لحسن الجيت

هذا الكائن المنتسب إلى فصيلة البشر حينما اعتبرته خائنا ومتآمرا على الوطن لم يكن ذلك من باب التحامل عليه إطلاقا، وإنما قد أكون مقصرا إلى حد ما في النعوت التي أطلقتها عليه. ولم يأت ذلك الاتهام من فراغ بقدر ما كان مبنيا على كلام ساقط ومقرف جاء على لسان المدعو ويحمان. ولن يقبل به أي مواطن له غيرة على بلده. وبكل أمانة سآتي في البداية على ذكر ما ورد على لسانه من قول ليكون القارئ على بينة، تاركا له المجال للتقييم ولمعرفة سريرة من هو الوطني ومن هو الخائن.

في خرجة مشينة لهذا الكائن الغريب نقلها موقع إلكتروني جزائري، ينذر فيها بحدوث حرب مدمرة ستنشب بين المغرب والجزائر، وتفتقت قريحته على أن يلقي باللائمة في نشوبها على المغرب بسبب سياسة التطبيع التي سلكتها بلادنا مع إسرائيل، مدعيا أن هذا التقارب كان على حساب الجزائر. وبذلك يكون هذا “الفاهم” يروج للأطروحة الجزائرية وبالتالي يحمل المسؤولية للمغرب في التوتر الحاصل وفي نشوب حرب كما يراها حربا باتت تدق اليوم على الأبواب. ولم يكتف بهذا الاتهام في حق المغرب بل حاول من خلال تنبؤاته أن ينبهنا بأن تلك الحرب ستزيل المغرب ككيان عن خارطة العالم وسيسقط نظام المغرب وستصبح الأراضي المغربية محافظات جزائرية يحكمها جنرالات الجزائر. ويغالط هذا الشخص نفسه قبل أن يغالط غيره أن الصهيونية والتطبيع مع كيانها هي التي خلقت حالة التوتر بين المغرب والجزائر. وكأن التوتر هو وليد هذه الظرفية وأن العلاقات من قبل كانت على أحسن ما يرام.

من خلال قراءة بسيطة لهذه الخزعبلات يتبين أن هذا القول عبارة عن أحلام تسكن النفس المريضة والمهووسة لهذا الذي اسمه ويحمان. فمن شدة هلوسته وكرهه لكل ما هو مغربي لا يتمنى إلا السوء والشر لهذا البلد كما يريد له أن يكون في أضعف حالاته. فهو يلتقي في هذه المشاعر العدائية مع النظام الجزائري إذ كلاهما يعانيان من انفصام في الشخصية الفردية والسياسية. وعقدتهما الإثنان عقدة واحدة تتمثل في هاجسمهما المشترك من أن يتحول المغرب إلى مغرب أقوى. ومن زاوية التحليل النفسي يعاني كذلك عميل النظام الجزائري من حالة الانكسار في وسط عائلته التي لم تعد غير قادرة على احتضان ومواكبة وتحمل حماقاته واختلالاته إن على المستوى الفكري أو الوجداني. وقد انعكس ذلك على خرجاته السياسية.

لذلك، فإن حالات من هذا القبيل عادة ما تفتش عن ذاتها التائهة المفقودة ، وتحاول أن تجد لنفسها موطئء قدم ولو من خلال عملية اندفاع غير محسوبة العواقب  ولا محكومة بمنطق. فهي بطبيعة ما عليه من ارتباك وخلل، تنحو دوما إلى اتخاذ مواقف لعلها قد تمكن صاحبها من فرص لاثبات الذات  والظهور، لكن سرعان ما تكون لتلك المواقف ارتدادات معاكسة على من اتخذها.

مبدئيا، التحليل السياسي لأية ظاهرة يستدعي قراءة جيدة لموضوع البحث والتحليل من حيث الإلمام بمكوناته وتطوراته التاريخية في سياق زمني محدد، وكذلك في تحديد إطاره الجغرافي وضبط العوامل الداخلية والخارجية ومدى تفاعلها مع بعضها البعض ليكون هناك فهم جيد للظاهرة مما قد يسهل على المحلل القيام بعمل متكامل الأركان.

ولذلك قد نسائل  المدعو ويحمان ما إذا كان قد كلف نفسه عناء البحث في تلك الهرطقة السياسية. يبدو لي أنه لا يفهم حتى أبجديات السياسة ولا يجيد قراءتها، فكيف له بالتالي أن ينظر ويحلل مشهدا أو واقعا يجهل فيه أبسط معطياته. فتحليل الظواهر لا يستقيم على ضغينة ولا على عقدة نقص ولا على هلوسة. ولذلك توقعات ذلك الكائن كانت كلها شاردة مثل شرود عقله.

ولسنا بحاجة إلى جهد جهيد لكي نكشف عن حقيقة كل ترهاته. ونقول له بكل بساطة كلامك مردود عليه وهو عبارة عن مغالطات من أولها إلى آخرها. ويكفينا أن نواجهك بالحقائق التي تنكرت إليها    أو تعاميت عنها، بينما هي واضحة وضوح الشمس لدى جميع المغاربة. نستحضر من واقع تلك العلاقات المتوترة بعض الأحداث والتطورات  التي تعود جدورها إلى إنشاء دولة الجزائر في ستينيات القرن الماضي من طرف المستعمر حيث لم يكن هناك ذلك التطبيع الذي جعلت منه سببا في تأزيم العلاقات المغربية الجزائرية. ونريد بالمناسبة أن ننشط ذاكرتك ونحيي ما تبقى فيها من خلايا لعل الذكرى تنفع من يتنكر إلى أصله :

ـ  في أواخر خمسينيات القرن الماضي رفض الملك محمد الخامس أن يدخل في صفقات مشبوهة مع الاستعمار الفرنسي على حساب الأشقاء الجزائريين بخصوص الأراضي التي كان قد انتزعها الاستعمار وألحقها بالتراب الجزائري كإقليم تابع لفرنسا. وقد فضل الملك الراحل تسوية تلك الأراضي مع قادة الجزائر بعد رحيل فرنسا. القادة الجزائريون فيما بعد تنصلوا من هذا الالتزام وتمسكوا بمبدإ استعماري وهو عدم المساس بالحدود الموروثة عن المستعمر.

ـ كان من تداعيات ذلك أن نشبت حرب بين البلدين الشقيقين وهي المعروفة بحرب الرمال عام 1963 . حرب لم يكن لإسرائيل أي ضلع فيها. السبب الرئيسي في تلك الحرب هو النظام الجزائري الذي تنكر لكل العهود والالتزامات.

ـ مع بداية سبعينيات القرن الماضي، سارع النظام الجزائري مع نظام معمر القذافي إلى تبني ورعاية شباب من الأقاليم الصحراوية وتمويلهم بالمال والسلاح وتحويلهم إلى حركة انفصالية لعرقلة جهود المغرب في استكمال وحدته الترابية. لم تكن هناك صهيونية ولا علاقات مغربية إسرائيلية للتذرع بها كسبب في تأزيم العلاقات بين المغرب والجزائر.

ـ إسرائيل لم تقم بعملية طرد 350 ألف مغربي من الجزائر عام 1975. النظام الجزائري هو المسؤول عن هذا الطرد والفصل بين الزوج وزجته وبين الأب وأبنائه في عتمة الليل وفي مناسبة دينية اقترنت بعيد الأضحى. عائلات بأكملها ألقي بها على الحدود بين المغرب والجزائر . انتزعت منهم أملاكهم ووجدوا أنفسهم في العراء. همجية غير مسبوقة في تاريخ البشرية ولم تقم بها حتى إسرائيل تجاه الفلسطينيين. ولم يكن آنذاك لا تطبيع ولا هم يحزنون.

ـ على مدى ثلاث عقود من بداية النزاع المفتعل، والنظام الجزائري يمول الانفصاليين بالعدة والعتاد والمال وشراء الذمم في المحافل الإقليمية والدولية وما زال إلى يومنا هذا على نهجه  نكاية في المغرب وضرب مصالحه. طوال هذه المدة نذكر المدعو ويحمان أن إسرائيل لم يكن لها أثر ولا وجود ولا ضلع في العلاقات المتوترة آنذاك بين المغرب والجزائر. فالتذرع بالتطبيع اليوم كسبب يراد استخدامه في تأزم تلك العلاقات إنما هو مشكلة تخص المدعو ويحمان وتقض مضجعه ولا علاقة لها بالتوتر في المنطقة المغاربية.

ـ لقد ذهب ويحمان إلى أبعد ما ذهب إليه وزير خارجية النظام الجزائري رمطان لعمامرة . هذا الأخير حينما أعلن عن قرار نظامه بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب لم يوعز ذلك أو يحصره في مسألة التطبيع مثل ما فعل شخص يتفيأ تحت ظلال مغرب آمن، بل أرجع المسؤول الجزائري الأمر إلى أسباب أخرى واهية.

ـ  المدعو ويحمان يعتبر أن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل هو مخطط يستهدف الجزائر ويرى أن  المغرب باستقدامه إسرائيل إلى المنطقة من شأنه أن يشعل حربا. وعلى النقيض من ذلك لا يلتفت هذا الشخص إلى استقدام الجزائر المارد الإيراني إلى غاية الوصول إلى حدود المغرب حيث يتولى ضباط من الجيش الإيراني وعناصر من حزب الله تدريب الانفصاليين في مخيمات تيندوف. أليست هذه سلسلة حروب معلنة من الاستنزاف لعقود خلت.

ـ المثير للغثيان أن هذا الشخص حسم مسبقا في نتائج الحرب وهدد بزوال المغرب من الوجود. من هنا يتضح أنه يضرب أخماسا بأسداس مثل تلك العرافة التي تتنبأ بالأشياء من دون تحديد الأسباب والمسببات، ولا تحديد لمواطن الضعف والقوة عند هذا الطرف أو ذاك. إنه يرجم الغيب في جهل تام ومطبق. لقد سيطرت على المدعو ويحمان أحلامه الشيطانية وتمنياته في مشاهدة مغرب منهار ، وغابت عنه الحقائق التاريخية لأمة ضاربة في القدم ولأمة عاركت أمما عريقة ولم ينل منها الغزاة وبقيت شامخة كالطود الأشم. أن يأتي اليوم من تقاذف بهم الغزاة من أمبراطورية إلى أمبراطورية ليمحو بجرة لسان أهوج هذه الأمة. فلعل ذلك ضرب من الخيال.  ولأن المغرب بلد قوي بميادئه وقيمه  الحضارية والإنسانية وحسن الجوار، فهو كذلك قوي برجاله وجيشه. نحن لسنا دعاة حرب ولكن نحن من دعاة مد اليد لكن إن فرضت علينا الحرب فسنستأسد فيها.

إجمالا، توحي لنا هذه الخرجة الهوجاء بأن العدو يسكن تحت أضلعنا ويتآمر على وطننا. ولذلك نحن أمام حالة شاذة ومخزية ومعيبة في حق الوطن بكل المقاييس من عمالة وخيانة. جميع المغاربة وإن اختلفوا في مشاربهم ومقارباتهم فهم موحدون إزاء الوطن إلا من تقطعت به السبل ليبيع نفسه لأعداء الوطن. هؤلاء السماسرة اليوم يجب محاسبتهم وتفعيل المساطر القضائية في حقهم لأن الوطن فوق الجميع، يعلو ولا يعلى عليه. فالمسألة ليس لها صلة بحرية التعبير وإبداء الرأي بل هي  خيانة عظمى من قبيل التخابر مع العدو والترويج له، وطعنة من الخلف لجميع المغاربة.

اترك رد