ترسيخ ثقافة السلام

بقلم: الحسن لهمك

إن العمل على ترسيخ ثقافة السلام داخل المجتمعات وبين الشعوب ، والسعي إلى تأمينها من كل تهديد داخلي وخارجي هو ترسيخ لثقافة هادفة وشمولية تقع على عاتق الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية. ثقافة تعتمد على المبادئ الأساسية لحقوق الأفراد والأوطان بحيث أن إنجاز هذا المبتغى لا يتحقق إلا يتوفر شرطين هما الإلزام والإلتزام التام غير المشروط ولا المنقوص من المبادئ الأساسية والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تسعى جاهدة لهيكلة المجتمعات على أساس مبدأ نبذ كل التصرفات السلبية وكل ما يصاحبها من مخاطر تهدد إستقرار الجنس البشري بكل أبعاده وتجلياته.

وهذه الممارسة لا يمكن تفعيلها إلا في مجتمع حصين من شوائب التخلف الفكري والإقتصادي والتطرف العقائدي؛ والحاجة هنا تدفع بكل المتدخلين لرفع التحدي لهندسة سياسة حكيمة و رشيدة تعتمد بالأساس على الدقة والفاعلية في التشخيص العميق لشخصية المجتمعات ومكوناتها وتحديد نماذجها الفكرية والسياسية من أجل الوقوف عن مكامن الخلل وسبر الأغوار لكشف المحيط العام والشروط الذاتية والموضوعية التي تشكل ديناميكية المجتمعات كل على حدى لتفكيك ذهنيتها وإعادة تركيبها بعيدا عن العنف والتطرف والغلو في أفق وضع الخطط الملائمة لترسيخ ثقافة سلام شاملة داخل الشعب الواحد وبين الشعوب بهدف القضاء على حالة الفوضى .

فتأمين الأنفس وصيانتها ليس بالأمر المستحيل ، ولا الهين ، فهو تحدي يتراوح بين هذا وذاك و رهين بمدى فاعلية الفعل وردة الفعل . وغالبا ماتبقى ردة الفعل والإستجابة مشروطة بإشباع الحاجة . فترسيخ ثقافة سلامة الشعوب لابد أن تراعى فيها إشباع حاجات الأفراد و المجتمعات، بما يطابق الحق والقانون سيد فوق كل سيادة أو نظام . إذ لا سلام بدون تعزيز الديمقراطيات المحلية ودعمها والنهوض بها كخيار إستراتيجي لإعادة البناء وهيكلة مجتمعات على أسس نظم سياسية ، إقتصادية و إجتماعية وثقافية ضابطة لموازين الحقوق والحريات الفردية والعامة .
وفي هذا وجبت الإشارة إلى أن الديمقراطية ليست مجرد ضبط لآليات وأساليب الحكم ونظام تداول السلطة فحسب، بل إنها تمثل كافة الشروط العامة التي تكفل حق الإنسان في العيش الكريم والحفاظ على كرامته .

غير أن ما يلاحظ، وبحكم القانون الدولي الذي يكفل لكل كيان سياسي وسلطته الحاكمة الحق الكامل في السيادة على الذات ، دون أي تدخل من جهات أو هيئات خارجية، فقد يستعصي أحيانا على أجهزة الأمم المتحدة تنزيل برامجها على بعض رقع العالم وهنا يأتي الدور على الفاعل المحلي والإقليمي لنشر وترسيخ ثقافة سلام الشعوب وتأهيل الأفراد فكريا وتزويدهم بالمهارات المعرفية وآليات إدارة مشاكلهم والحد من نزاعاتهم ودمقرطة الحياة الداخلية .
وفتح أوراش لتعزيز دور الحوار لخلق مواطن مندمج في مجتمعه سلاحه منطق العقل بعيدا عن لغة العنف …

إنه لأمر صعب المنال في غياب ميكانيزمات حية وفاعلة تجد لها موطئ قدم في هذه المجتمعات التي لم تتكيف بعد مع البعد الثقافي العام لمفهوم السلم والخصوصية المحلية القائمة على المفهوم القبلي والعصبية الضيقة التى لا تتخطى حدود منطق رقعة جغرافية جد محدودة؛ فثقافة الحق المشترك جد مختزلة فيها يهم جماعة الأفراد المتآزرة برابطة دموية أو عرقية أو دينية ، بعيدا عن المفهوم العام المشترك بين البشري ، ما يؤدي إلى اتساع الفوارق بين بني البشر ويؤدي إلى التفرقة والتمييز ،بين جماعة وأخرى وحتى بين فرد واخر داخل المجموعة نفسها ، وهذا الشعور يبقى دوما اكبر تهديد لترسيخ ثقافة السلم . والمجموعات البشرية لا زالت تعتقد أن في القوة حماية وامان لوجودها ، وعنصر تفوقها وإثبات شخصيتها ، ويبقى هذا أكبر دليل وبرهان أن الصراع قائم بين العلاقات الإنسانية، وان القوة هو المفهوم المهيمن على عالمنا المعاصر كما السالف بينما السلام يتأسس على الأصل الإنساني المشترك والقائم على وحدة الهدف الوجودي والأخلاقي، ولا يتأسس فقط على سلمية الأدوات المتبع في تحقيقه وانما يجب أن تشمل فلسفة وجوهرية الصراع في عمقه وان يكون صراعا وتنافسا في في تحقيق السلام بقيم سلمية تعترف بالوجود البشري كوجود مطلق يؤدي إلى تحقيق العدالة والإنصاف والرخاء . ولا ننسى أن الإيديولوجيات الحديثة التي تقوم على الإنتفاع تحكمها قواعد إقتصادية أساسها الإستثمار أو الإستغلال ،ما يشعل فتيل التنازع حول الخير الإنساني و يقوض أسس السلام .

يجب إذن ، تبني سياسة أكثر أخلاقية تعتمد بناء جسور الثقة وإثبات حسن النيّة، و إستبعاد المنطق المصلحي دون مراعاة مصالح الطرف الآخر، أو هدرها و الإستخفاف بها، سياسة غايتها تأسيس مناخ حاضن للتعايش والتعاون والإنسجام، يمنع الغبن وأسباب نشأة الحروب والصراعات. فالسلام هو فلسفة إنسانية ، تستحضر الجوهر الإنساني للأفراد والجماعات وعدم نزع الإنسانية عنهم مهما كانت الظروف، كما تتطلب هذه الفلسفة ، إضفاء الطابع الإنساني على الأساليب والأهداف التي تتعلّق بعملية التعايش وتقبل الأخر إدارة الإختلاف وفق المسلمات الإنسانية التي نشترك فيها جميعا عبر إعتماد منطق اللا عنف والسعي الدؤوب والمنهجي لإحلال الإستقرار الروحي لكل النفوس البشرية مصدر السلام الشامل والدائم.

اترك رد