حكماء بني المغرب

بقلم: رشيد السليم

لطالما سمعتُ نكتا حول بخل أسرة التعليم، وحرصهم على ضم الدرهم للدرهم، ودقتهم في التخطيط والتدبير لكل فلس سولت له نفسه أن يتفلت من الجيب، وكنت أضحك مثلما ضحكت مع كتاب البخلاء للجاحظ، وأقول إن هؤلاء هم أهل الجمع والمنع في زماننا، كأن سيرتهم صفحة مبتورة من الكتاب.

 وإذا كانت الصفة المنسوبة إلى المدرسين فيها من المبالغة ما فيها فإن هناك دواع كثيرة تجعلهم يتصرفون في رواتبهم وفق كل البيداغوجيات التي يعرفون، باستثناء بيداغوجيا الخطأ وبيداغوجيا اللعب.

قال لي الغريب يوما: إن فترة التكوين التي يمر بها أستاذ المستقبل تلعب دورا حاسما في بلورة شخصيته المرسومة في أذهان العموم، حيث ينبغي تقليل نومهم وطعامهم فكثرة النوم تورث البلادة والكسل، والبطنة تذهب الفطنة، والكل يدرك حاجة الوطن إلى أطر في أعلى مراتب اليقظة والرشاقة والذكاء، ولذلك تخضع شهوة البطن إلى حمية قاسية يتم فيها اختبار صبرهم وقناعتهم ورضاهم بالقليل، وإعداد الجسم بالتخسيس ليكون قادرا على قطع المسافات وتسلق الجبال حيث سيكون مقر عمله، كما أن الشخص الذي يمضي بضعة أشهر بعيدا عن أهله وذويه وفصيلته التي تؤويه ويستطيع الصمود بدون أية مساعدة من أحد لَهُو أهل للقيام بهمة التدريس الشاقة…

ــ قلت: ولكن يا سيدي أليس في ذلك نوع من الإذلال وكسر لكرامة للنفس؟

الغريب: كلا يا هذا ألم تقرأ قوله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ…” البقرة، الآية 155؟

ــ بلى

ـ إن بنية التكوين إذن مستوحاة من ذلك الامتحان الإلهي، وأشد الناس ابتلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ولا أحد ينكر منزلة المعلم في سلم القرب من الله، وهم طبقة من العلماء، والعلماء ورثة الأنبياء، لقد كاد المعلم أن يكون رسولا، والتكوين بما هو عليه مساهمة بشرية في تحقيق قانون الابتلاء للأنسب، وما الجوع والفقر إلا وسيلتان جليلتان تقربان المدرس من الله زُلفى.

ــ ألا تعتقد سيدي الغريب أن المدرس ينبغي أن يحظى بنوع من الاطمئنان النفسي والأمن المادي حتى يصب تفكيره ويفرغ اهتماماته على أداء واجبه بشكل لائق؟

ـ إنك تستهين بدهاء الملأ الذين يصنعون التصورات ويديرون… فمن السذاجة الإغداق على المدرس بالمال الكافي سواء أثناء تكوينه أم بعده، لأن من شأن ذلك تكثير علاقاته مع الغير وتجويدها، فالناس ميالون بالفطرة إلى صاحب المال، وإنك تعلم الوقت الذي سيهدره المدرس إزاء تبادل الزيارات ولقاء الأصدقاء، وعندما يضيق راتبه تضيق معه دائرة العلاقات تلقائيا، كما أنه عندما يشعر بقلق فقدان منصبه فإنه لا يدخر مجهودا في الحفاظ عليه، وبالتالي يكون التلميذ هو المستفيد الأول والأخير من هذه الوصفة.

ــ لست مقتنعا بما قلته

ــ ليس مهما أن تقتنع، المهم هو أن تعجز عن الإتيان بحجة تثبت صحة موقفك وخطأ ما أتى به حكماء بني المغرب.

تعليق 1
  1. نوفل يقول

    الآن فهمت لما يفرضون الإتاوه على مجتازي مباريات الشرطه. حتى تنجر أقدامهم لسوق الرشوه.

اترك رد