بقلم: نعيم بوسلهام
شهدت السنوات الأخيرة ظاهرة متنامية تتمثل في عودة المغاربة مزدوجي الجنسية من أوروبا، وخاصة فرنسا، إلى المغرب. في حين كان الشباب المغربي يسعى لسنوات لتحقيق “حلم الهجرة” إلى الضفة الشمالية، يتزايد الآن عدد الذين يفضلون العودة إلى بلادهم الأصلية. لكن ما هي الأسباب والدوافع التي تدفع هؤلاء المهاجرين إلى الهجرة العكسية؟
لم يكن المغرب، قبل سنوات قليلة، الوجهة المفضلة لأولئك الذين حصلوا على جنسية أوروبية، وخاصة الفرنسيين من أصول مغربية. فقد اعتُبرت فرنسا وأوروبا عموماً مكاناً لتحقيق الطموحات الاقتصادية والتعليمية، والاندماج في مجتمع متقدم ومزدهر. ومع ذلك، خلال السنوات الأخيرة، ظهرت مؤشرات على تغير كبير في هذه الدينامية، حيث رصدت التقارير تدفقاً متزايداً من العائدين إلى المغرب، وخاصة مع حلول الموسم الدراسي 2024، حيث ارتفع الطلب على المدارس الخاصة بشكل غير مسبوق.
تقرير نشرته صحيفة “جون أفريك” بداية هذا العام أشار إلى أن الهجرة العكسية باتت ظاهرة ملحوظة، بينما كشفت دراسة أجراها المعهد الفرنسي “OpinionWay” في يناير 2024 أن 30% من الفرنسيين من أصول مغربية يدرسون فكرة مغادرة فرنسا والاستقرار في المغرب أو بلدان أخرى. فما الذي يدفع هذا التحول؟
يعد تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا من أبرز الأسباب التي دفعت العديد من مزدوجي الجنسية إلى التفكير في العودة إلى المغرب. كانت فرنسا تقليديًا بلدًا مفتوحًا ومتعدد الثقافات، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في الخطاب المعادي للمسلمين. هذا الاستهداف المتزايد ظهر بوضوح في سوق العمل والتعليم ووسائل الإعلام. ولم يعد الأمر يقتصر على النقاشات الأكاديمية حول الهوية، بل تحوّل إلى سياسات يومية تؤثر بشكل مباشر على حياة المسلمين في فرنسا.
صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها عام 2022 تحدثت عن “الرحيل الصامت للمسلمين عن فرنسا”، مشيرة إلى هجرة أعداد متزايدة من النخب المسلمة، بما في ذلك الأطباء والمهندسين ورجال الأعمال، هربًا من التمييز المتزايد. من الطبيعي أن يدفع هذا الاستهداف المستمر البعض، وخاصة الذين يتمتعون بالقدرة على إعادة بناء حياتهم في مكان آخر، إلى التفكير بالعودة إلى وطنهم الأصلي.
إلى جانب الدوافع السياسية والاجتماعية، يلعب الوضع الاقتصادي المتحسن في المغرب دورًا محوريًا في تعزيز الهجرة العكسية. خلال السنوات الأخيرة، شهد المغرب نموًا اقتصاديًا ملحوظًا في عدة قطاعات، مثل الصناعة والتكنولوجيا والبنية التحتية. هذه التحولات جعلت المغرب وجهة مغرية للعائدين الذين يملكون خبرات أوروبية ويرغبون في الاستثمار أو العمل في بيئة أقل تنافسية مما هو موجود في فرنسا.
العودة إلى المغرب لا تقتصر فقط على الأفراد، بل تشمل عائلات بأكملها، خاصة مع تزايد الاهتمام بالتعليم الخاص. خلال موسم الدخول المدرسي لعام 2024، لاحظت المؤسسات التعليمية الخاصة إقبالاً كبيرًا من العائلات العائدة، وهو ما يعكس رغبة مزدوجي الجنسية في تقديم تعليم متميز لأبنائهم بعيداً عن الضغوط والتمييز الذي قد يواجهونه في النظام التعليمي الفرنسي.
عندما يُسأل مزدوجو الجنسية عن أسباب عودتهم، يبرز مفهوم “الهوية” كعامل حاسم. بينما يُفترض أن الجنسية الأوروبية تمنح حامليها حقوقًا وفرصًا متساوية، يشعر الكثير من مزدوجي الجنسية المغاربة بأنهم لا يزالون غير مندمجين بشكل كامل في المجتمعات الأوروبية. التمييز القائم على الأصول أو الأسماء أو المظهر يجعل العديد منهم يشعرون بأنهم غير مرحب بهم، مما يفتح الباب أمام فكرة العودة إلى بلد يمكنهم فيه التمتع بشعور أقوى بالانتماء.
المغرب، من جهته، يقدم لهؤلاء العائدين بيئة ثقافية واجتماعية مألوفة. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية وتوافر الفرص المهنية، لم يعد المغرب فقط وجهة للراحة النفسية، بل أيضاً مكاناً يمكنهم فيه تحقيق طموحاتهم الشخصية والمهنية.
تزايد الهجرة العكسية لمزدوجي الجنسية المغاربة يعكس تحولاً في العلاقة بين دول المهجر وبلدان الأصل. بينما كانت أوروبا تمثل لسنوات طويلة الوجهة المثالية للهجرة، أصبح المغرب الآن يقدم خيارات جديدة للعائدين، سواء من حيث الفرص الاقتصادية أو الشعور بالاستقرار والهوية. يبقى السؤال الأهم هو: هل سيستمر هذا الاتجاه في النمو خلال السنوات القادمة؟ وإذا استمر، كيف سيؤثر ذلك على المغرب ودوره في جذب استثمارات وخبرات جديدة من أبنائه العائدين؟